معايير دولية العقد التجاري الدولي
هناك ثلاث (3) معايير لإضفاء الصبغة الدولية على العقد و فيما يلي سيتم تفصيل مختلف هذه المعايير:
المعيار القانوني
حسب المعيار القانوني فان العقد يعد دوليا لو اتصلت عناصره القانونية
بأكثر من نظام قانوني واحد، ومن هذا القول يكون عقد البيع دوليا مثلا لو أبرم في الجزائر بين جزائري وفرنسي وتعلق الأمر ببضاعة موجودة بالصين، فالعقد المذكور يتسم بالطابع الدولي لاتصاله بثلاث دول، أي بأكثر من نظام قانوني واحد.
ولا يكون العقد دوليا إذا تم إبرامه بين طرفين من جنسية واحدة في دولتهم الأصلية، وثار النزاع حوله في دولة أخرى، فحسب اتفاقية روما لسنة 1980هذا العقد لا يعد أجنبيا ويظل خاضعا للقانون الذي ينتمي إليه طرفي العقد وفق قواعد تنازع القوانين.
ولذلك يتعين الحكم بدولية العقد في حالة اتصال العقد في عناصره بأكثر من دولة بغض النظر عن دولة القاضي المطروح عليه النزاع.
وقد تم انتقاد المعيار القانوني بشدة، وهذا ما دفع بأغلب التشريعات إلى هجرانه واعتناق المذهب الاقتصادي، وأهم ما يعاب على المعيار القانوني هو أن تطبيقه لم يكن بالسهولة المذكورة أعلاه، إذ تجاذب تطبيق هذا المعيار اتجاهين، الأول موسع ويرى أنه يكفي للحكم بدولية العقد مجرد اتصاله بعنصر أجنبي، بينما يرى الاتجاه الثاني والذي يتبعه أصحاب الاتجاه المضيق أن الحكم بدولية العقد مرهون بضرورة كون العنصر الأجنبي المتصل بالعقد ذو تأثير فعال على العقد (2)[1]. [1]
المعيار الاقتصادي
أظهرت العولمة التي ألقت بظلالها على مختلف المجالات، أن الاحتكام إلى المعايير القانونية من أجل جعل العقد دوليا أم غير ذلك أمر قد تجاوزه الزمن، فالعديد من العقود التجارية تتجاوز حدود البلد وتؤثر في المصالح التجارية دون أن يكون أحد عناصرها أجنبيا، لذا تم هجر المعيار الأول القانوني وتم اللجوء إلى المعيار الاقتصادي لاعتبار العقد التجاري عقدا دوليا.
إن اعتماد المعيار الاقتصادي من شأنه أن يسهل أمر معرفة دولية العقد من غيره، فيكفي أن يرتكز العقد على تبادل للقيم و الأموال كي يكون دوليا ما دام أن مجرد تبادل القيم والأموال ستكون حتما عنصرا فعالا في العقد، وقد تبنى المعيار الاقتصادي مختلف التشريعات الحديثة.
كما تبنت اتفاقية فيينا لسنة 1980بشأن البيع الدولي للبضائع هذا المعيار لإطلاق الصفة
الدولية على عقود بيع البضائع، حيث نصت المادة الأولى منه على أنه:
" تطبق أحكام هذه الاتفاقية على عقود بيع البضائع المعقودة بين أطراف توجد مراكز أعمالهم في دول مختلفة...."
ويعد العقد دوليا وفقا للمعيار الاقتصادي إذا اتصل بمصالح التجارة الدولية، فالعقد الذي يكون موضوعه مثلا التصدير إلى الخارج أو الاستيراد وتنقل حركة الأموال خارج البلاد يكون عقدا دوليا لارتباطه بمصالح التجارة الدولية بغض النظر عن جنسية الأطراف المتعاقدة حتى ولو كانوا من جنسية وطنية.
وبالتالي فإن تكييف العقد ما إذا كان وطنيا أو دوليا لا يراعى فيه عناصر العقد وإنما موضع العقد وتأثيره الاقتصادي على المجال الدولي، حتى لو كان العقد وطنيا في نظر أصحاب المعيار القانوني.
و قد أخذ القضاء الفرنسي بهذا الرأي في العديد من المرات، فقد قضى بأن العقد المبرم بين شركة فرنسية وأحد الفرنسيين المتوطنين بفرنسا يعد عقدا دوليا باعتبار أن هدف العقد هو التمثيل بالخارج وبالتالي التأثير على مصالح التجارة الدولية، فهو عقد دولي رغم أنه انعقد بفرنسا بين فرنسيين.
رغم أهمية المعيار الاقتصادي بخصوص إضفاء الصفة الدولية على العلاقة التعاقدية، واهتمامه بالمعطيات الاقتصادية وعدم التوقف على الجوانب الشكلية فقط، إلا أنه لم يسلم من الانتقاد.
فقد انتقده Batiffol بقوله أن المعيار الاقتصادي قد يصبح غير صالح بظهور أنواع جديدة من العقود التي سوف لن يتمكن من إضفاء الطابع الدولي عليها إلا المعيار القانوني.
لذلك سيظل لقواعد التنازع الدور البارز في تكييف هذه العقود لاتصال عناصرها بقوانين أجنبية بغض النظر عن موضوع هذه العقود، وهذا ما ذهب إليه الفقيه Loussouan الذي يرى أن المعيار القانوني الجامد أفضل من المعيار الاقتصادي المتغير.
المعيار المزدوج
ابتكر من القضاء الفرنسي الحديث، بسبب الثغرات التي كشفها في المعيار الاقتصادي،ففكر في الدمج بين كل من المعيار الاقتصادي والمعيار القانوني عند الحكم بدولية العقد التجاري، ومن أسباب ذلك: أن الجمع بين المعيارين يجسد الصفة الأجنبية للعقد على نحو أفضل.
و بالتالي فإن تحديد دولية العقد تكون بالنظر إلى المعيارين الاقتصادي و القانوني معا، فالعقد لا يعد دوليا حتى لو تضمن عنصرا أجنبيا ما لم يرتبط بمصالح التجارة الدولية أي ما يترتب عن انتقال السلع و البضائع و رؤوس الأموال عبر الحدود.
و يمكن بذلك تعريف العقد الدولي أو بالأحرى العقد التجاري الدولي بأنه: العقد الذي يرتبط بأنظمة قانونية مختلفة لتعلقه بمصالح التجارة الدولية .
ليكون بذلك هذا المعيار جامعا للمعيارين السابقين القانوني و الاقتصادي و بالتالي يكون المعيار الأفضل في تحديد دولية العقد .