الموضوع 2

  • الموضوع 2

    المحور الأول

    مفهوم القانون الدولي الجنائي

    بالرغم من الجذور التاريخية للقانون الدولي الجنائي الضاربة في أعماق التاريخ، إلا أن ظهوره بالصورة الحديثة والمعروفة حاليا يعود إلى الحرب العالمية الثانية إذ بينت الجرائم المرتكبة في هاته الحرب ضرورة تطوير وتفعيل قواعد دولية تتعلق بالمسؤولية الجنائية عن الأفعال الخطيرة جدا والتي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

    وقد ظهرت أول محاولة جادة لتجسيد النشأة الفعلية للقانون الدولي الجنائي بقواعده الموضوعية والإجرائية من خلال إنشاء المحكمتين الدوليتين في نورمبورغ وذلك بموجب اتفاقية لندن المؤرخة في 08/08/1945 الخاصة بإنشاء محكمة عسكرية دولية في نورمبورغ لمحاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان، وبعدها تم إنشاء محكمة طوكيو بناء ً على تصريح القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الباسفيك الجنرال الأمريكي دوجلاس ماك آرثر بتاريخ 19/1/1946، ورغم ما شاب المحكمتين من عيوب إلا أنهما كانتا مقدمة لخطوات جادة في باب تطوير وتجسيد القانون الدولي الجنائي، وهي الخطوات التي انتهت بإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة وهي محكمة الجنايات الدولية الدائمة المنشأة بموجب نظام روما الأساسي.

    وقد جاء في ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17جويلية 1998 مبررات إنشاء هذه المحكمة وذلك بقولها:" إن الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي: إذ تدرك أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب، وأن ثقافات الشعوب تشكل معاً تراثاً مشتركاً، وإذ يقلقها أن هذا النسيج الرقيق يمكن أن يتمزق في أي وقت، وإذ تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة، وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاء في العالم، وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي، وقد عقدت العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم، وإذ تذكر بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية، وإذ تؤكد من جديد مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة, وبخاصة أن جميع الدول يجب أن تمتنع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة, أو على أي نحو لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة، وإذ تؤكد في هذا الصدد أنه لا يوجد في هذا النظام الأساسي ما يمكن اعتباره إذناً لأية دولة طرف بالتدخل في نزاع مسلح يقع في إطار الشئون الداخلية لأية دولة، وقد عقدت العزم من أجل بلوغ هذه الغايات ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره، وإذ تؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية، وتصميماً منها على ضمان الاحترام الدائم لتحقيق العدالة الدولية".

    ويمتاز القانون الدولي الجنائي بحداثته مقارنة بالقانون الجنائي الوطني، ومن أجل تحديد مفهومه يتعين التطرق لتعريفه ولمصادره وعلاقته بباقي القوانين، وذلك كما يلي:

    أولا: تعريف القانون الدولي الجنائي.

    ثانيا: مصادر القانون الدولي الجنائي.

    ثالثا: علاقة القانون الدولي الجنائي بفروع القانون الأخرى.

    أولا: مفهوم القانون الدولي الجنائي

    يتميز القانون الدولي الجنائي بأنه غير مضبوط بتعريف محدد لعدم اتفاق العلماء على وضع تعريف جامع له، وسنكتفي بذكر التعريفات التالية:

      1- تعريف الفقيه جرافن (Graven): القانون الدولي الجنائي هو (هو مجموعة من القواعد القانونية المعترف بها في العلاقات الدولية والتي يكون الغرض منها حماية النظام الاجتماعي الدولي بالمعاقبة على الأفعال التي تتضمن  اعتداء عليه)

      2-  تعريف الفقيه بيلا (Pella): القانون الدولي الجنائي هو (مجموعة القواعد الموضوعية والشكلية التي تنظم مباشرة عقاب الأفعال التي ترتكبها الدول أو الأفراد ويكون من شأنها الإخلال بالنظام العام الدولي وبالاتحاد والانسجام والألفة بين الشعوب) أو هو (فرع من فروع القانون الدولي العام يحدد الجرائم و ينشئ العقوبات وبين شروط العقاب الدولي الجنائي للدول و الأفراد)، كما عرفه نفس الفقيه بقوله:"أن القانون الدولي الجنائي هو النظام القانوني الذي يحدد الجرائم ضد السلام ز أمن البشرية وينص على الجزاءات و يحدد شروط مسؤولية الأفراد و الدول وغيرها من الأشخاص القانونين بغية الدفاع عن النظام العام الدولي"

      3- الفقيه جلاسير (Glaser): القانون الدولي الجنائي هو ( مجموعة القواعد القانونية الدولية المعترف بها في المجموعة الدولية والتي هدفها حماية النظام الاجتماعي الدولي بمعنى السلم والأمن الاجتماعي الدولي بالعقاب على الأفعال التي تخل به أو بمعنى أخر مجموعة القواعد الموضوعية للعقاب على مخالفة أحكام ومبادئ القانون الدولي العام).

      4- تعريف الفقيه بلاوسكي: القانون الدولي الجنائي هو (القانون الذي يتكون من القواعد القانونية المتعلقة بمعاقبة الجرائم الدولية التي تشكل خرقاً للقانون الدولي).

      5- تعريف الفقيه حميد السعدي: القانون الدولي الجنائي هو (القانون الذي يعالج المشكلات التي تثيرها الجرائم الدولية كالحرب العدوانية وتعريض السلم العالمي وأمن الشعوب للخطر وغير ذلك مما يحول دون الوئام والانسجام في العلاقات الدولية).

      6- تعريف الفقيه علي عبد القادر القهوجي: القانون الدولي الجنائي هو (ذلك الفرع من فروع القانون الدولي العام الذي ينقطع لإسباغ الحماية الجنائية على المصالح الأساسية أو الجوهرية للمجتمع الدولي والتي لا تقوم له قائمة بدونها فكل فعل ينطوي على ضرر لأحد هذه المصالح أو تعريضها للخطر يعتبر جريمة دولية يعاقب عليها ذلك القانون).

      7- تعريف الفقيه عبد الرحيم صدقي: عرف القانون الدولي الجنائي (بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تتعلق بالعقاب على الجرائم الدولية أي الجرائم التي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي).

      8- الفقيه محمد محمود خلف: القانون الدولي الجنائي هو (مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم الدولية والعقوبات المقابلة لها والإجراءات الواجب اتخاذها لغرض تلك العقوبات على الأشخاص الطبيعيين الذين تثبت مسئوليتهم عن ارتكاب تلك الجرائم الدولية).

      9- تعريف الفقيه محمد محي الدين عوض: القانون الدولي الجنائي هو (القانون الذي يبحث في الجرائم الدولية أي جرائم القانون الدولي العام وفاعليها وجزاءاتها سواء أكانت تلك الجزاءات من قبيل العقوبات الجنائية أم من قبيل إجراءات الأمن ومن جهة أخرى يبحث في الإجراءات الشكلية أي جهة القضاء المختصة بالنظر في تلك الجرائم والنطق بجزاءاتها والإجراءات التي تتخذ أمامها).

    وقد انتقد بعض الفقهاء التعريفات السابقة لعدم تطرقها إلى كون الهدف الرئيس للقانون الدولي الجنائي هو حماية حقوق الإنسان، ذلك أن هذا الفرع القانوني ارتبط في نشأته وتطوره بحماية حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وأخذا بعين الاعتبار ذلك الانتقاد تم تعريف القانون الدولي الجنائي بأنه: (ذلك الفرع من فروع القانون الدولي العام الذي يتكون من مجموعة من القواعد القانونية الدولية الموضوعية والإجرائية التي تسعى إلى إسباغ الحماية الدولية الجنائية على حقوق الإنسان  الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وذلك بتجريم الأفعال التي تشكل انتهاكاً لهذه الحقوق ومحاكمة مرتكبيها  وفرض العقوبات عليهم).

    من التعريف السابق يتعين التأكيد بكون القانون الدولي الجنائي يتمتع بثلاث خصائص وهي:

    1- الخاصية الجنائية: وهي الخاصية التي تستند إلى التجريم والعقاب والتي يتمتع بها كل قانون جنائي سواء كان وطنيا أو دوليا.

    2- الخاصية الدولية: والتي تنبع من كون مصدر التجريم يجب أن يكون دوليا وكذلك الأفعال محل التجريم والعقاب بقواعد القانون الدولي الجنائي يجب أن تنسب إلى شخص قانوني دولي، ومن هنا فهو فرع من فروع القانون الدولي العام.

    3- خاصة حماية حقوق الإنسان: ذلك أن القانون الدولي الجنائي مرتبط مباشرة بحماية حقوق الإنسان، فهو قانون يهدف إلى إضفاء الحماية الدولية الجنائية على حقوق الإنسان.

    ثانيا: مصادر القانون الدولي الجنائي:

    القانون الدولي الجنائي مثله مثل باقي فروع القانون الدولي العام يعتمد على نفس مصادر القانون الدولي العام والتي نصت عليها المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والمادة (21) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

        I.  المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية:

    1-  تُطبق المحكمة، التي تتمثل مهمتها في الفصل وفقًا للقانون الدولي، في النزاعات المعروضة عليها:

    أ‌- الاتفاقيات الدولية، سواء كانت عامة أو خاصة، التي تحدد القواعد المعترف بها صراحة من قبل الدول المتنازعة؛

    ب‌-العرف الدولي، كدليل على ممارسة عامة مقبولة كقانون ؛

    ت‌-المبادئ العامة للقانون المعترف به من قبل الدول المتحضرة؛

    2- لا يخل هذا الحكم بسلطة المحكمة في الفصل في قضية حسب الإنصاف والحسنى، إذا اتفق الأطراف على ذلك.

      II. والمادة (21) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

    القانون الواجب التطبيق

    1- تطبق المحكمة:

    أ‌- في المقام الأول هذا النظام الأساسي وأركان الجرائم والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة.

    ب‌- في المقام الثاني, حيثما يكون ذلك مناسباً, المعاهدات الواجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده, بما في ذلك المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة.

    ت‌- وإلا فالمبادئ العامة للقانون التي تستخلصها المحكمة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم، بما في ذلك، حسبما يكون مناسباً القوانين الوطنية للدول التي من عادتها أن تمارس ولايتها على الجريمة، شريطة ألا تتعارض هذه المبادئ مع هذا النظام الأساسي ولا مع القانون الدولي ولا مع القواعد والمعايير المعترف بها دولياً.

    2-  يجوز للمحكمة أن تطبق مبادئ وقواعد القانون كما هي مفسرة في قراراتها السابقة.

    3-  يجب أن يكون تطبيق وتفسير القانون عملاً بهذه المادة متسقين مع حقوق الإنسان المعترف بها دولياً وأن يكونا خاليين من أي تمييز ضار يستند إلى أسباب مثل نوع الجنس، على النحو المعروف في الفقرة 3 من المادة 7 أو السن أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الإثني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر.

    وعليه فإن مصادر القانون الدولي الجنائي تشمل:

    1- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .

    2- المعاهدات والمواثيق الدولية .

    3- مبادئ القانون الدولي وقواعده.

    4- العرف الدولي.

    ثالثا: علاقة القانون الدولي الجنائي بفروع القانون الأخرى:

    يرتبط القانون الدولي الجنائي بعلاقة مع العديد من ففروع القانون الأخرى على النحو الآتي:

           I. علاقة القانون الدولي الجنائي بالقانون الجنائي الدولي:

    لا يزال بعض الكتاب والفقهاء لا يفرق بين القانون الدولي الجنائي والقانون الجنائي الدولي ويستخدم المصطلحين للتعبير عن مفهوم واحد يندرج ضمن القانون الدولي الجنائي فلا فارق بين المصطلحين عندهم، والصواب أن المصطلحين يعبران عن فرعين قانونية مستقلين وينتميان الى نظامين قانونيين مختلفين تماما، فالتسمية الصحيحة للقواعد الجنائية الدولية هي: القانون الدولي الجنائي ، وهو يختلف عن القانون الجنائي الدولي، فالقانون الدولي الجنائي: يتعلق بالنظام العام الدولي ونطاقه الجرائم التي تتصف بكونها دولية من جهة مصدرها ومرتكبيها والجهات المختصة بالمحاكمة عليها، بينما القانون الجنائي الدولي يمس النظام العام الوطني ونطاقه الجرائم الداخلية من جهة مصدرها ومرتكبيها والجهات القضائية المختصة بالمحاكمة عليها.

    وبالتالي فالقانون الدولي الجنائي فرعاً من فروع القانون الدولي العام وموضوعه بالجريمة الدولية والقضاء الجنائي الدولي، أما القانون الجنائي الدولي فهو فرع من فروع القانون الجنائي الداخلي وموضوعه تنظيم العلاقات بين القضاء الجنائي الوطني لمختلف الدول  بشأن الجريمة الوطنية، فالقانون الجنائي الدولي أحد موضوعات القانون الجنائي الداخلي، يهتم بتحديد النظام القانوني للجرائم المنصوص عليها في القوانين الجنائية الوطنية التي تحتوي على عنصر أجنبي، مثل هذه الجرائم تثير مسألة تنازع القوانين الجنائية لدولتين أو أكثر ويتم حل هذا التنازع عن طريق الاتفاق بين الدول المعنية.

        II. علاقة القانون الدولي الجنائي بالقانون الدولي العام:

    بعد القانون الدولي الجنائي أحد الفروع الحديثة للقانون الدولي العام، وبالتالي فالعلاقة بينهما هي علاقة الفرع بالأصل، فتكون خصائصهما واحدة.

    وبالرغم من ذلك هناك اتجاه من الفقهاء يعتبر أن القانون الدولي الجنائي هو قانون مستقل عن القانون الدولي العام، بدأ ظهوره الفعلي مع مبادئ محكمة نوورمبرغ، إذ أن القانون الدولي الجنائي يرتب عقوبات جزائية على الجرائم الدولية على عكس القانون الدولي العام الذي اكتفى بسردها فقط دون ذكر الجزاءات المترتبة عن ارتكاب تلك الجرائم.

    وهناك أوجه اختلاف بين القانونين كما يلي:

    القانون الدولي العام ينظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية ولا مجال للفرد في قواعده، خلافا للقانون الدولي الجنائي الذي تطبق قواعده الأفراد وتصرفاتهم المتسمة بكونها جرائم دولية ولا تطبق على الدول والمنظمات الدولية .

    يتضمن القانون الدولي العام قواعد تحدد الأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية ولا يجوز محاكمتهم عن الجرائم التي يرتكبونها، خلافا للقانون الدولي الجنائي الذي لا يعترف بالحصانات في مجال الجريمة الدولية.

      III. علاقة القانون الدولي الجنائي بالقانون الدولي الإنساني:

    يعد القانون الدولي الإنساني أحد فروع القانون الدولي العام و هوما يتفق فيه مع القانون الدولي الجنائي، وكلا القانونين يجدان مصدرها قي قواعد المعاهدات الدولية والعرف الدولي، كما يتفقان في أنهما يحميان حقوق الإنسان، ويهدفان إلى تحقيق  السلم والأمن الدوليين وأن كليهما يجرم نفس الأفعال التى تؤدي إلى انتهاكات صارخة لأحكام القواعد الدولي العام.

    لكن رغم ذلك فالقانون الدولي الإنساني لا يطبق إلآ في وقت الحرب أو النزاع المسلح، وهو مجموعة القواعد العرفية والمكتوبة التي تهدف إلى الحد من استخدام العنف في أوقات المنازعات المسلحة عن طريق حماية الأفراد غير المشتركين في العمليات الحربية أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها وحماية الجرحى والأسرى والمدنيين وجعل العنف في المعارك المسلحة مقتصراً على الأعمال الضرورية لتحقيق الأهداف العسكرية، في حين القانون الدولي الجنائي يجرم ويعاقب كل الانتهاكات الجسيمة التي تمس بحقوق الإنسان سواء وقت السلم أو الحرب.

    وبالتالي فالفارق بينهما يتمثل في كون القانون الدولي الإنساني يعمل على تخفيف معاناة الإنسان أثناء النزاعات المسلحة من خلال الالتزامات التي يفرضها على الدول المتحاربة، وهو يطبق من حيث الزمان عند بداية الحروب و النزاعات المسلحة ويهدف إلى منح حماية لضحايا النزاعات المسلحة والمدنيين، أما القانون الدولي الجنائي فقواعده قمعية لا تنظيمية بمعنى أنها لا تفرض التزامات على الدول بل تجرم الانتهاكات وتضع العقوبات عليها، ومنها الانتهاكات المرتكبة في الحروب والنزاعات المسلحة، ومعنى ذلك أن القانون الدولي الجنائي يعد أحد الآليات التي تحمي قواعد القانون الدولي الإنساني.

     IV. علاقة القانون الدولي الجنائي بالقانون الجنائي الوطني:

    يستعمل كلا القانوني نفس التقنيات وهي التجريم والعقاب ويهدفان إلى نفس الهدف وهوتحقيق الأمن والاستقرار وحماية المصالح والقيم الأساسية للمجتمع سواء كان المجتمع الداخلي او الدولي، ولكنهما يختلفان من حيث المجال والمصادر:

    فمن حيث المجال: مجال القانون الجنائي الوطني هو الجرائم المرتكبة من الأفراد داخل الدولة، خلافا للقانون الدولي الجنائي الذي يتعلق بالجريمة الدولية المرتكبة من الدول او أجهزتها.

    -  ومن حيث المصادر: القانون الدولي الجنائي مصدره هو الاتفاقيات الدولية، عكس القانون الجنائي الوطني (الداخلي) الذي يجد مصدره في القانون الداخلي الصادر عن سلطة التشريع في الدولة.

    ورغم هذا الاختلاف إلا أنهما يلتقيان في عدة أمور:

    يجرم القانون الجنائي الوطني ويتابع ويحاكم على الجرائم الدولية التي هي موضوع القانون الدولي الجنائي، ولذلك فالقضاء الجنائي الدولي والمتمثل في المحكمة الجنائية الدولية تتصف بالطابع التكميلي للقضاء الوطني، ومنه فلا يختص القاضء الجنائي الوطني بالمحاكمة على الجريمة الدولية الا إذا تقاعس القضاء الوطني عن محكامة الأشخاص، فإذا تم محاكمة الشخص مرتكب الجريمة الدولية من طرف القضاء الجنائي الوطني فلا يجوز للقضاء الجنائي الدولي محاكمة ذلك الشخص مرة ثانية.

    ومن زاوية أخرى فإنه عند غياب نص في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أو المعاهدات الدولية ومبادئ القانون الدولي العام، فإنه على المحكمة أن تطبق المبادئ العامة للقانون والتي تستخلصها المحكمة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم بشرط أن لا تتعارض مع النظام الأساسي وفق المادة21/1/ج ومعنى ذلك أن المحكمة تطبق المبادئ القانونية الجنائية الواردة في القوانين الداخلية.

    أن القانون الدولي الجنائي اقتبس عديد المبادئ المكرسة في القانون الجنائي الداخلي، مثل قاعدة عدم رجعية القوانين (المادة24 نظام روما الأساس) ومبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" في المواد (23،22 من نظام روما الأساسي).