تقديم المقياس

تقديم المقياس

لقد أصبح الحديث عن البيئة من الأمور المسلم بها في الوقت الحاضر، وغدت مشكلة البيئة تزداد تعقيدا وتشابكا، الأمر الذي أصبحت فيه الحاجة ملحة للتدخل وإجراء الدراسات المتأنية لخصائص البيئة وتشخيص المشكلات التي تعاني منها، والبحث عن أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور المنظومة البيئية ومن ثم العمل على وضع الإجراءات اللازمة لحل المشاكل المشخصة، ولهذا أخذت قضية البيئة وحمايتها حيزا كبيرا من الاهتمام على الصعيد الوطني والدولي خاصة في القرن الواحد والعشرون نظرا لارتباطها الوثيق بحياة الإنسان وباعتبارها أحد الأركان الأساسية التي تعتمد عليها التنمية المستدامة في كافة البلدان المتقدمة منها والنامية على حد سواء.

إن من أهم الأسباب التي كانت وراء تدهور البيئة وبروز العديد من المشاكل التي باتت تهدد حياة الإنسان كالتلوث، هي اهتمام الدول في فترة معينة بالتنمية الاقتصادية والصناعية بشكل مفرط مغفلة بذلك آثار عملية التصنيع على المحيط البيئي، مما انعكس سلبا على مختلف العناصر البيئية من هواء وماء وتربة وحيوان وتنوع بيولوجي الشيء الذي أصبح معه من الصعب السيطرة على تهور الإنسان وعلى سوء استغلاله للموارد البيئية وبالتالي لم تعد البيئة قادرة على مواكبة هذا التطور العلمي والتكنولوجي الذي تسعى من خلاله الدول البلوغ إلى تنمية حقيقية.

إن استمرار التدهور البيئي وما رافقه من انعكاسات شتى، أدى إلى بروز التناقض الواضح في مفهوم العلاقة بين التنمية والبيئة، مما جعل البعض يرى بأنهما شيئان متناقضان وبالتالي يجب اختيار أحدهما عن الآخر. في حين يرى البعض عكس ذلك، لأن التنمية والبيئة هما عنصران مرتبطان ارتباطا وثيقا، وأن فرص تحقيق التنمية لا تتسع ولا يمكن لها أن تستمر إلا إذا تم التركيز على الاستغلال الرشيد والعقلاني لمعطيات الأنظمة البيئية، ثم التأكيد على الجوانب النوعية للتنمية الشاملة.

من هذا المنطلق، اتجهت دول العالم على غرار الجزائر نحو تأطير مجال البيئة بنظام قانوني يحدد عناصرها ومختلف المجالات التي تتضمنها ويؤطر كيفية الاتصال بها، ويقرر تدابير من شأنها توفير الحماية القانونية للبيئة وترشيد استغلالها بما يضمن قدرتها على استيعاب الإشكالات والتغيرات الطارئة بفعل نشاطات الأشخاص سواء كانوا ذاتيين أو معنويين، مما يحقق في النهاية إدراج البعد البيئي في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويخلق نوعا من التوازن بين حاجات البيئة ومتطلبات التنمية المستدامة.

في إطار هذا المقياس (قانون البيئة والتنمية المستدامة) سنحاول التطرق إلى جميع الجوانب القانونية المتعلقة بموضوع البيئة والتنمية المستدامة، سواء على الصعيد الوطني أو على المستوى الدولي، في إطار إشكالية رئيسية تتمحور أساسا حول:

هل وفقت الجهود الوطنية والدولية في توفير حماية قانونية حقيقية للبيئة في إطار التنمية المستدامة؟